العيون: احتضنت مدينة العيون، أمس السبت، ندوة وطنية ناقشت موضوع "الصحراء المغربية: من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل"، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين والخبراء في القانون والعلاقات الدولية والتنمية الجهوية، الذين أجمعوا على أن النموذج التنموي المعتمد بالأقاليم الجنوبية يشكل رافعة أساسية لتحقيق العدالة المجالية وتعزيز الوحدة الترابية للمملكة.
الندوة، التي نظمتها مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة بمجلس المستشارين المكلفة بتقديم الاستشارة حول "القضية الوطنية الأولى"، اعتُبرت مناسبة لتسليط الضوء على المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل عملي ومتقدم لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وأكد المتدخلون في هذا اللقاء أن المبادرة التي قدمها المغرب سنة 2007 تندرج ضمن مقاربة سياسية مرنة تستند إلى المرجعية الأممية وتستجيب لمتطلبات السيادة الوطنية، معتبرين أنها تشكل نموذجا متفردا على مستوى تدبير النزاعات الترابية في إفريقيا والعالم.
وقال الدكتور الطالب بويا زايدنا ماء العينين، في مداخلته خلال الجلسة العلمية، إن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية يعكس إرادة سياسية قوية لتنزيل عدالة مجالية حقيقية، مبرزاً أن نسبة إنجاز المشاريع المبرمجة قاربت 80 في المئة، مما يعزز البنية التحتية ويؤهل الرأسمال البشري. ودعا إلى تعزيز حكامة الجهات عبر نقل اختصاصات فعلية وتحديث منظومة الجبايات المحلية، مع التركيز على تنمية الاقتصاد المحلي وتشجيع المقاولات والقطاع الثالث.
من جانبه، أبرز الدكتور مولاي بوبكر حمداني، رئيس مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية، أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تتفوق من حيث الضمانات على عدة تجارب دولية، مذكراً بنماذج مثل آلاند وكيبيك وإقليم الباسك. وأشار إلى أن المبادرة تقدم حلاً سياسياً متقدماً يتجاوز مفهوم التفويض التقليدي، حيث تجمع بين التعددية والديمقراطية والتنمية المحلية، مما يجعلها نموذجاً قابلاً للتعميم في القارة الإفريقية.
أما الدكتور الموساوي العجلاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، فقد شدد على أن قضية الصحراء بالنسبة للمغرب "حق لا يُعلى عليه"، موضحاً أن مقترح الحكم الذاتي بات يحظى بدعم متزايد داخل مجلس الأمن الدولي، خاصة من قِبل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، مما يعزز موقف المغرب على الساحة الدولية.
وسجل العجلاوي أن التعامل المغربي مع الملف يتم في إطار الشرعية الدولية والميثاق الأممي، مشدداً على أن سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية غير قابلة للتفاوض، داعياً إلى الاستفادة من التراكم القانوني والسياسي الذي راكمته المملكة في المحافل الدولية منذ عقود.
وفي مداخلة بعنوان “مشروع الحكم الذاتي المغربي: من الفكرة إلى الواقع”، أكد المحلل السياسي سعيد التمسماني أن نجاح المشروع رهين بتحويله إلى رؤية مجتمعية واضحة، تُبنى على تواصل فعال مع الساكنة المحلية. واقترح التمسماني تبني استراتيجية وطنية للتعريف بالمبادرة، من خلال المناهج الدراسية والأنشطة الثقافية والإعلام المحلي، مع إرساء آليات مؤسساتية للرقابة والتقييم.
ودعا إلى جعل المواطن شريكاً فعلياً في المشروع لا مجرد مستفيد منه، مشدداً على أهمية إشراك الأطر الصحراوية في هندسة النموذج، وبلورة ميثاق تعاقدي واضح يحدد صلاحيات الجهة والدولة في إطار السيادة الكاملة.
وعرفت الندوة نقاشاً غنياً بين المشاركين، تركز حول آليات تفعيل الحكم الذاتي، والانتقال التدريجي من الجهوية المتقدمة نحو نموذج أكثر استقلالية، يحافظ على وحدة التراب الوطني ويعزز التنمية الشاملة بالأقاليم الجنوبية، في انسجام تام مع الرؤية الملكية ومطالب الساكنة.