أزمة جديدة بين الجزائر وفرنسا بسبب جوازات السفر.. وروتايو يرفع مقترحات متشددة لماكرون

Image description
الثلاثاء 22 يوليو 2025 - 17:09 النور TV

باريس: في تطور جديد على صعيد الأزمة بين البلدين، أكد مصدر مسؤول بوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية أن تصريحات وزير الداخلية الفرنسي بشأن جوازات السفر الجزائرية تتسم بالتعسف وتمثل انتهاكاً للحقوق الفردية، وإخلالاً بالالتزامات الثنائية بين الجزائر وفرنسا.

وجاء هذا الرد بعد التصريح الذي أدلى به الوزير الفرنسي لصحيفة لوفيغارو، والذي أعلن فيه عزمه على توجيه تعليمات إلى المحافظات الفرنسية “بعدم الاعتداد بجوازات السفر التي تصدرها القنصليات الجزائرية للمواطنين الجزائريين لغرض الحصول على تصاريح الإقامة”.

وشدد المصدر على أن منح جوازات السفر يعد حقاً للمواطنين الجزائريين، واستصدارها هو واجب تتحمله الدولة الجزائرية بصفتها دولة سيدة، مضيفاً أن الاعتراف بهذه الجوازات يفرض نفسه على الدولة الفرنسية، ولا ينبغي التشكيك فيه أو تعطيله بقرارات أحادية الجانب.

ورأى المصدر أن تصريح الوزير الفرنسي يتصف بطابع تعسفي وتمييزي، ويُعد إساءة لاستعمال السلطة، لا سيما أنه يتعارض صراحة مع التشريع الفرنسي نفسه، ما يجعل الموقف غير مؤسس قانونياً ولا يستند إلى أي قاعدة من القانون الفرنسي.

وفي السياق ذاته، أوضح المصدر أن جوازات السفر الجزائرية المعنية تُسلَّم في الواقع بناءً على طلب من المحافظات الفرنسية نفسها، التي تعتبرها وثائق مرجعية لا غنى عنها في ملفات طلب تصاريح الإقامة، وهو ما يفضح التناقض في التصريح ويؤكد طابعه السياسي الواضح.

واعتبر المصدر أن عدم الاعتراف بهذه الجوازات، على النحو الذي جاء في تصريح وزير الداخلية الفرنسي، يشكل مساساً مباشراً بحقوق المواطنين، ويعكس انزلاقاً خطيراً نحو ممارسات تمييزية، لا تخدم العلاقات الثنائية ولا تراعي الالتزامات القانونية والإدارية القائمة بين البلدين.

وكان وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، قد صعّد لهجته تجاه السلطات الجزائرية، متهما القنصلية الجزائرية في مدينة تولوز بـ”تسليم مئات جوازات السفر لمهاجرين غير شرعيين”، واعتبر هذا السلوك “خرقًا صريحًا لمبدأ المعاملة بالمثل” بين البلدين، في ظل رفض الجزائر استعادة رعاياها الصادرة بحقهم أوامر ترحيل من الأراضي الفرنسية (OQTF).

وفي مقابلة مع صحيفة لوفيغارو نُشرت يوم الجمعة الماضي، تعهّد روتايو بإصدار تعليمات إلى المحافظين في مختلف المناطق الفرنسية تقضي بـ”عدم الاعتراف بجوازات السفر التي تصدر في هذه الظروف” من قبل القنصلية الجزائرية في تولوز، موضحا أن هذه الوثائق لن تُعتمد ضمن أي طلبات للتسوية أو الإقامة على التراب الفرنسي.

وذهب الوزير الفرنسي أبعد من ذلك، بإعلانه عزمه على “تقييد دخول عدد من مسؤولي النظام الجزائري إلى فرنسا”، بدعوى أنهم يواصلون “التطاول على فرنسا” من منابر رسمية، وفق تعبيره.

ودعا روتايو كذلك إلى مراجعة شاملة للإطار القانوني الناظم للعلاقات الثنائية، قائلاً: “إذا لم يتم إلغاء اتفاقيات 1968 قبل نهاية هذا العهد الرئاسي، فلا بد من فعل ذلك بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة”، في إشارة إلى الاتفاقيات التي تمنح امتيازات خاصة للمواطنين الجزائريين في فرنسا في ما يخص الإقامة والتنقل.

وفي ما يبدو توجهاً نحو تصعيد دبلوماسي على مستوى أوروبي، أبدى الوزير تحفظه على استمرار المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والجزائر حول اتفاقية شراكة، قائلاً: “الجزائر تجني من هذه الشراكة أكثر بكثير مما تجنيه أوروبا”، داعيا إلى تعليق المحادثات مؤقتا.

وفي ختام تصريحاته، شدّد روتايو على ضرورة التحرك بشأن ملف المعتقلين الفرنسيين في الجزائر، وهما الكاتب بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليزيس، معتبرا أن السياسة المعتمدة حتى الآن أثبتت فشلها. وقال في رسالة غير مباشرة للرئيس إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية جان نويل بارو: “دبلوماسية المشاعر الطيبة فشلت… ويجب الآن اعتماد منطق توازن القوى”.

وتعكس تصريحات روتايو توجهاً متصاعداً نحو المواجهة داخل الحكومة الفرنسية تجاه الجزائر، بقيادة اليمين الذي يكسب في كل مرة مساحات مناورة جديدة في ظل التأييد الذي يحظى به لدى الرأي العام الفرنسي، وفق استطلاعات الرأي. في المقابل، يرى الجناح الدعم للرئيس ماكرون داخل الحكومة ضرورة الابتعاد على التصعيد، وهو ما يعكسه تصريح وزير الخارجية جان نويل بارو الذي قال: “لا وجود لدبلوماسية النوايا الحسنة ولا لدبلوماسية الضغينة، هناك فقط الدبلوماسية”، في رد ضمني على روتايو.

وفي سياق هذا الجدل، كشفت إذاعة “أوروبا 1” الفرنسية عن اعتزام وزير الداخلية برونو روتايو وتقديم حزمة من المقترحات الصارمة للرئيس إيمانويل ماكرون خلال لقائهما المرتقب بعد غد الخميس في قصر الإليزيه، وذلك في إطار تصاعد التوترات الدبلوماسية مع الجزائر.

وحسب التقرير، فإن روتايو، الذي يقود جناحاً متشدداً داخل الحكومة الفرنسية، يريد إعادة تبني سياسة “الحزم” في التعامل مع السلطات الجزائرية، متخلياً عن ما يسميه بـ”دبلوماسية المشاعر الطيبة”، التي يرى أنها فشلت في تحقيق أي نتائج ملموسة.

وأكد أحد المقربين من الوزير أن روتايو سيتقدم بجملة من الاقتراحات تشمل: تجميد الأصول الجزائرية في فرنسا، إعادة النظر في سياسة منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين، واتخاذ تدابير انتقامية ضد شركات الطيران الجزائرية. ويُطالب كذلك بالعودة إلى الموقف الذي تبناه فرانسوا بايرو في فبراير الماضي، بعيد الهجوم بالسكين الذي نفذه مهاجر جزائري خاضع لأمر ترحيل.

وأبرزت الإذاعة الفرنسية أن روتايو يحظى بدعم واسع داخل التيار اليميني، حيث أشار أحد أنصاره إلى وجود “إجماع داخل الكتلة المحافظة” على ضرورة مراجعة اتفاقيات 1968 بين الجزائر وفرنسا المتعلقة بالإقامة والتنقل. وقال المصدر ذاته: “هذا هو الملف الوحيد الذي يحظى بإجماع كامل”.

ورغم أن ماكرون يعيش فترة صعبة داخليا بعد تسجيله أدنى مستوى شعبية له في آخر استطلاع لمعهد إيفوب/ جورنال دو ديمانش، إلا أن روتايو لا يعتزم التلويح بورقة الاستقالة، لأنه -حسب محيطه- لا يريد أن يمنح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “انتصارًا سياسيًا مجانيًا”.

وتأتي هذه الخطوة في سياق تجاذبات حادة بين أجنحة الحكومة الفرنسية بشأن السياسة الواجب اعتمادها تجاه الجزائر، خاصة بعد سلسلة من الأحداث الأمنية والدبلوماسية التي عمّقت الشرخ بين البلدين، وأبرزت تباينًا متزايدًا بين الرئيس ماكرون ووزير داخليته.

الأكثر قراءة