الجزائر: تعرضت الحقوقية نصيرة ديتور، رئيسة جمعية عائلات المفقودين في الجزائر والاتحاد الأورو-متوسطي ضد الاختفاء القسري، للترحيل فور وصولها إلى مطار هواري بومدين الدولي بتاريخ 30 يوليو 2025.
وكانت شرطة الحدود الجزائرية، وفق بيان للمنظمة التي ترأسها ديتور، قد احتجزت الحقوقية لمدة ثلاث ساعات، قبل أن تستجوبها وتقوم بإعادتها إلى فرنسا على متن رحلة الخطوط الجوية الفرنسية رقم AF 1455، دون تقديم توضيحات رسمية بشأن أسباب الترحيل.
وفي تصريح لها عقب ترحيلها، ذكرت ديتور أنها تعرضت للمنع رغم امتلاكها الوثائق المطلوبة، وقالت: “ابني مفقود. وها أنا أُمنع من الدخول. لكن، ما دمت قادرة على الكلام، فسأفعل. من أجله. من أجل الآخرين. من أجل الذاكرة. من أجل العدالة”>
وقد أثارت هذه الخطوة انتقادات من عدة منظمات، حيث اعتبرت جمعية عائلات المفقودين في الجزائر CFDA والاتحاد الأورو-متوسطي ضد الاختفاء القسري FEMED القرار خرقًا لأحكام الدستور الجزائري، خاصة المادة 59، مشيرتين إلى أن ديتور جزائرية الجنسية ولم تكن محل قرار قضائي أو إداري يمنع دخولها البلاد.
وشدّدت المنظمتان في بيان لهما على أن ديتور تمثل إحدى أبرز الشخصيات الناشطة في ملف ضحايا الاختفاء القسري في الجزائر، وتساءلتا عن مبررات منعها من دخول بلدها رغم عدم وجود متابعة قانونية بحقها. وأشارتا إلى أن القرار يشكل، وفق تقديرهما، سابقة في التعامل مع المدافعين عن حقوق الإنسان.
كما سلّطتا الضوء على نشاط ديتور الممتد منذ اختفاء ابنها سنة 1997، حيث انخرطت في جهود كشف مصير المختفين، بالتنسيق مع عائلات الضحايا، داخل الجزائر وفي الفضاء الأورو-متوسطي. وذكرتا أن استمرارها في المطالبة بالحقيقة جعل منها صوتًا بارزًا في هذا الملف، في ظل صمت رسمي لا يزال يحيط بالقضية منذ أكثر من عقدين.
من جانبها، أصدرت منظمة “شعاع لحقوق الإنسان” بيانًا أعربت فيه عن رفضها لهذا الإجراء، ووصفت ترحيل ديتور بأنه يمس بحرية التنقل المكفولة في المادة 49 من الدستور الجزائري. ودعت المنظمة إلى التراجع عن القرار والسماح لها بدخول الجزائر دون قيود، مؤكدة أن نشاطها يدخل ضمن الحقوق المكفولة للمدافعين عن حقوق الإنسان بموجب المواثيق الدولية.
وطالبت المنظمات الثلاث المؤسسات الدولية والمجتمع الحقوقي باتخاذ موقف علني من هذه الواقعة، ودعم الحق في حرية التنقل والعمل الجمعوي، ودعت إلى تمكين ديتور من ممارسة نشاطها دون تدخل، في إطار احترام الالتزامات الدولية التي تعهدت بها الجزائر.
وتُعد قضية المفقودين في الجزائر من أشهر مخلفات العشرية السوداء التي شهدتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي، حيث لا تزال المئات من العائلات تطالب بكشف مصير أبنائها الذين اختفوا خلال تلك الفترة.
وتطالب جمعيات عائلات المفقودين بفتح تحقيقات شفافة وتحديد المسؤوليات، بينما تشير السلطات إلى أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أغلق هذا الملف قانونياً، في حين تؤكد منظمات دولية أن “الحق في معرفة الحقيقة” لا يسقط بالتقادم.
وفي ردود الفعل السياسية، ندد فرع المهجر لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) بقرار ترحيل نصيرة ديتور من مطار الجزائر الدولي، واصفًا هذا الإجراء بـ”التعسفي وغير المبرر قانونيًا”.
وأعرب الحزب في بيان له عن “استنكاره الشديد” لما اعتبره “معاملة غير مقبولة” تعرضت لها ديتور، عند وصولها إلى أرض الوطن، دون تقديم أي سبب رسمي أو إخطار قانوني يبرر منعها من الدخول.
وذكّر الأرسيدي بنضال نصيرة ديتور، المواطنة الجزائرية التي كرّست حياتها منذ سنوات من أجل الدفاع عن الحق في الحقيقة والعدالة والذاكرة، معتبرًا أنها تمثل بصمودها وجهودها “كفاح الآلاف من العائلات الجزائرية الباحثة عن مصير ذويها المفقودين”. وأشار إلى أن نشاطها، القائم على المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، أصبح يُجرّم من طرف سلطة “تواصل إغلاق الفضاء المدني وإسكات الأصوات المعارضة”.
ورأى الحزب أن قرار طرد ديتور يندرج في سياق “سياسة القمع الممنهج” التي تُمارس ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء الجمعويين والمعارضين السياسيين. كما عبر عن “تضامنه الكامل” مع المعنية، داعيًا السلطات الجزائرية إلى وضع حد لهذه الممارسات المخالفة للقانون، وضمان احترام الحقوق الأساسية لجميع المواطنات والمواطنين، وفي مقدمتها الحق غير القابل للتصرف في العودة إلى الوطن.
وجدد فرع المهجر لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية التزامه بالوقوف إلى جانب كل من يناضل من أجل “جزائر حرة، عادلة وتحترم حقوق الإنسان”، مؤكداً دعمه لكافة المبادرات التي تدفع نحو ترسيخ دولة القانون والحريات.
وتعيد هذه القضية للأذهان، ما كان قد تعرض له الصحافي فريد عليلات الكاتب السابق في مجلة “جون أفريك” في نيسان/ أبريل الماضي، حيث لم يسمح له أيضا بدخول الجزائر وتم إعادته إلى فرنسا، رغم امتلاكه الجنسية الجزائرية حصرا.
وذكر في منشور له على فيسبوك يروي فيه تفاصيل ما تعرض له، قائلا: “تم طردي يوم السبت 13 أبريل 2024 من مطار الجزائر الدولي بعد قضائي لأكثر من 11 ساعة في مباني الجمارك والشرطة القضائية في هذا المطار”.
وعرف عليلات بكتابه عن حياة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وتفاصيل آخر أيامه في الحكم. كما عرف بتحقيقاته ومقالاته الموسعة التي ينشرها دوريا في مجلة جون أفريك. وكانت آخر أعماله، تحقيق حول ظروف اغتيال كريم بلقاسم الشخصية البارزة في الثورة الجزائرية والمعارض لنظام الرئيس هواري بومدين بعد الاستقلال، بعد حصوله على وثائق تحقيق الشرطة الألمانية استثناء.
وأثارت هذه القضية تفاعلات على المستوى السياسي في الجزائر. وقال الدبلوماسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي في منشور له على مواقع التواصل، إنه “لا يجوز البتة حرمان أي شخص تعسفيا، من حق الدخول إلى بلده”. وأوضح أن “الإجراء المتخذ ضد الصحافي فريد عليلات بعدم السماح له بدخول بلده الجزائر هو ممارسة تعود بنا الى عصور خلَت ويعطي عن الجزائر صورة لا تخدم لا الشعب ولا الحكام”.