الجزائر: وجّهت أحزاب جزائرية مذكرة احتجاج للسفيرة الأمريكية وباقي ممثلي الدول الداعمة لإسرائيل في عدوانها على غزة، واعتبرت الصمت الدولي “تنصلا وتنكرا للمبادئ التي تقوم عليها الشرعية الدولية والعيش المشترك والسلام بين الشعوب”.
وذكرت 15 تشكيلة سياسية منضوية في إطار الهيئة الجزائرية للأحزاب الداعمة والمناصرة لفلسطين، في النسخة الموجهة للسفيرة الأمريكية، أنها “تعبر عن استنكارها لموقف حكومة بلادكم المنحاز إلى سلطة الاحتلال الصهيوني على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.
ونددت هذه الأحزاب بالصمت الدولي عما يرتكبه الاحتلال من تدمير وإبادة وتهجير، وهو ما نعتبره تنصلا وتنكرا للمبادئ التي تقوم عليها الشرعية الدولية والعيش المشترك والسلام بين الشعوب، مشيرة إلى أن ذات الموقف “الذي من شأنه أن يعطي الغطاء لسلطة الاحتلال لمواصلة عدوانها الهمجي ضد الشعب الفلسطيني، والذي من شأنه أن يؤدي إلى حرب إقليمية تهدد أمن واستقرار المنطقة”.
وتأتي صياغة هذه المذكرة الاحتجاجية وفق ما ورد في ديباجتها أمام “عجز المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته والوفاء بالتزاماته لحل عادل للقضية الفلسطينية، ضمن إطار الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”، و”الصمت الدولي المريب تجاه هذه التجاوزات الخطيرة، وحجم المجازر الشنيعة في حق المدنيين والمؤسسات المدنية والدينية التي تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم التصفية العرقية”، و”استمرار الكيان الصهيوني في احتلال الأراضي الفلسطينية، وإصراره على الخرق الصارخ والمتكرر لكل قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية، من خلال تماديه في سياسة التهجير القسري للشعب الفلسطيني ومصادرة أراضيه وتماديه في مواصلة إقامة المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية، وهدم المساكن، وقتل الأبرياء والاعتقالات التعسفية التي لم ينجوا منها حتى الأطفال والمرضى والنساء والعجزة واغتيال الصحفيين وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية”.
ولفتت الأحزاب الجزائرية إلى أن خطوتها تأتي في ظل “الحصار الجائر واللاإنساني المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 15 سنة، الذي حول القطاع إلى محتشد يعيش فيه أكثر من مليوني نسمة في ظروف لا إنسانية بحيث تمارس عليه سلطة الاحتلال المنع المتكرر للتزود بالماء والكهرباء والتموين بوسائل العيش الضرورية، والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان”، معتبرة ما يحدث بمثابة “إرهاب دولة يمارسه الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني منذ 75 سنة وهو مستمر في قطاع غزة الآن، لاسيما التدمير الممنهج للأحياء السكنية والاستهداف المتعمد للمستشفيات ودور العبادة من مساجد وكنائس والمدارس والمؤسسات التابعة لهيئات الأمم المتحدة واستهداف الطواقم الطبية والحماية المدنية والقتل العمدي للصحافيين”.
وتوجد في قائمة الموقعين على المذكرة عدة أحزاب من تيارات أيديولوجية مختلفة، منها حركة مجتمع السلم، والفجر الجديد والنهضة وصوت الشعب وجبهة العدالة والتنمية وجيل جديد وطلائع الحريات واتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية، وهي نفسها الأحزاب التي كانت قد اجتمعت قبل أسبوعين في مقر حركة مجتمع السلم، وأصدرت بيانا مشتركا يدعو السلطات إلى الترخيص بتنظيم مسيرات في العاصمة وكل الولايات للتعبير عن دعم ومساندة فلسطين.
ووفق ما قاله ناصر حمدادوش، نائب رئيس حركة مجتمع السلم المشاركة في هذه المبادرة لـ”القدس العربي”، فإن المذكرة ستتوجه للدول الخمسة الداعمة للكيان الصهيوني وهي أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وسيتم إرسال نسخة أخرى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأبرز حمدادوش أن دافعهم في ذلك هو “تبليغهم احتجاج الأحزاب السياسية، وتحميلهم المسؤولية المباشرة عن الجرائم والمجازر التي ترتكب في فلسطين، وهم شركاء فيها”، وكذلك “فضحهم بعكس ادعاءاتهم لحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير وفضح انحيازهم الأعمى للكيان الصهيوني، وازدواجية معاييرهم في التعاطي مع الحروب”.
ومنذ بدء العدوان على غزة، تحولت صفحات السفارات الداعمة لإسرائيل على مواقع التواصل إلى هدف لتعليقات الجزائريين المنددة بمواقفها، وفي مقدمة ذلك السفارة الأمريكية التي أمطرها المعلقون بوابل من التعليقات المستنكرة لما وصفوه بالتظاهر بالتعاطف بعد نشرها صور تنكيس العلم الأمريكي بعد مجزرة مستشفى المعمداني في غزة.
وفي سياق التفاعل مع الوضع في فلسطين، طالب السياسي عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، بمواقف أكثر تقدما من السلطات الجزائرية نحو فلسطين، ووقف استقبال سفراء الدول المتورطة لإظهار الانزعاج الجزائري من مواقفها.
ودعا مقري في رسالة توجه بها إلى الرئيس عبد المجيد تبون إلى “خروج الجزائر من المبادرة العربية لحل الدولتين”، معتبرا “المبادرة ظالمة تشبه طلب ديغول للثوار النوفمبريين بالتخلي عن الصحراء الجزائرية، وهي مبادرة لا مستقبل لها، لا يؤمن الصهاينة أنفسهم بها”، على حد قوله.
وشدد على ضرورة “وقف تعطيل قانون تجريم التطبيع في البرلمان الجزائري، لقطع الطريق في الحاضر والمستقبل، عن المطبعين الكامنين داخل مؤسسات الدولة”، مستشهدا بالموقف الذي وصفه بـ”المشين لعميد مسجد باريس المسنود والممول من الدولة الجزائرية أكبر دليل، وغيره مثله كثير”.
وطلب من الرئيس “كشف الأطراف التي أفشلت مبادرتكم للمصالحة الفلسطينية للرأي العام الجزائري، وأخذ العبرة من ذلك، داعيا لتوجيه “الدعم المالي لحركة حماس والمقاومة التي شرفتكم ودعمت مشروعكم ولم تخدعكم، والتي تكافح فعليا من أجل تحرير فلسطين وتضحي على الأرض كل يوم”.
وأكد مقري على ضرورة “مراجعة مواقفنا الخارجية وخطابنا الرسمي وتصرفاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، في ظروف العدوان خصوصا، بما يظهر انزعاجنا الحقيقي من كونهم مشاركين في الجريمة، وتجنب الاستقبالات الدبلوماسية غير المناسبة في هذه المرحلة كما حدث عدة مرات في بلادنا”.
ودعا صراحة “للتخطيط والإنجاز من أجل المشاركة في تحرير المسجد الأقصى وفلسطين بمختلف الوسائل، ومنها المساهمة العسكرية على نحو ما قامت به الدول الصديقة والشقيقة لصالح الثورة الجزائرية بالأمس، وعلى نحو ما تقوم به إيران مشكورة لصالح المقاومة اليوم، وتشجيع الدول العربية والإسلامية السنية على ذلك، ليكون التحرير القادم القريب بحول الله إنجازا للأمة الإسلامية كلها”، وفق ما قال.