الجزائر: أُعلن في الجزائر عن إنهاء مهام محمد شرفي، رئيس السلطة الوطنية للانتخابات، لأسباب صحية في الظاهر، في وقت كان القرار منتظرا منذ مدة بعد أزمة نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في سبتمبر الماضي، والتي ظهر فيها تضارب كبير في الأرقام المعلنة وصل لملايين الأصوات.
ووفق آخر عدد من الجريدة الرسمية في الجزائر، وقّع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرسوما رئاسيا ينهي بموجبه مهام محمد شرفي، بصفته رئيسا للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، “بناء على طلبه لأسباب صحية”. ويتولى شرفي منذ آذار/ مارس 2021، رئاسة السلطة المستقلة للانتخابات في نسختها الجديدة بعد دستور 2020، والتي أشرفت على الانتخابات التشريعية لسنة 2021 ثم الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي تم فيها إعادة انتخاب تبون.
وكان شرفي وهو وزير سابق للعدل، في الأصل رئيسا للهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات التي استحدثت في سبتمبر 2019، بقرار من رئيس الدولة الراحل عبد القادر بن صالح، في ذروة الحراك الشعبي في سياق إقناع المتظاهرين بالانخراط في المسار الانتخابي، بعد أن كانت التحفظات كبيرة على وزارة الداخلية بسبب سوابق الانتخابات التي كانت تلقى طعنا واسعا في نتائجها. ووقتها نظمت انتخابات رئاسية، وصل فيها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون إلى الحكم، لعب فيها شرفي دور الضامن، على الرغم من المقاطعة الواسعة التي شهدتها.
لكن الانسجام المسجل بين شرفي والسلطة بعد 3 انتخابات أشرف عليها (رئاسيات 2019 واستفتاء الدستور والتشريعيات)، توقف بشكل مفاجئ غداة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي شهدت حدثا غير مسبوق، بتوقيع مديرية حملة الرئيس تبون مع باقي المترشحين، لبيان يطعن في نتائج الانتخابات، على الرغم من إعلان فوز الرئيس بنسبة تصل إلى 94 من الأصوات المعلنة. وقد انتقد ممثلو المرشحين الثلاثة حينها، “ضبابية وتناقض وغموض وتضارب الأرقام التي تم تسجيلها مع إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية من طرف رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات”.
وشاب يوم الانتخابات التي جرت في 7 سبتمبر الماضي، غموض كبير بعد تجاهل رئيس السلطة إعلان نسبة المشاركة في الانتخابات. ولم يزل هذا الغموض عند إعلان شرفي يوما بعد ذلك عن النتائج، فقد ازدادت الحيرة عند المرشحين خصوصا بعد تقديم أرقام تتناقص مع المحاضر التي حصل عليها ممثلوهم في الولايات. وبينما أعلن شرفي عن حصول المترشح حساني شريف عبد العالي عن حركة مجتمع السلم على 178 ألف و797 صوتا، ما يمثل نسبة 3.17 بالمئة، تحدث ممثلو المرشح عن تحقيق نحو 350 ألف صوت. أما المترشح أوشيش يوسف عن جبهة القوى الاشتراكية، فأعطته أرقام السلطة 122 ألف و146 صوتا، ما يمثل نسبة 2.16 بالمئة، بينما أشار ممثلوه إلى حصوله على أكثر من 200 ألف صوت. وعادت الحصة الأكبر حسب شرفي، للمترشح عبد المجيد تبون، بـ5 ملايين و329 ألف و253 صوتا، ما يمثل نسبة 94.65 بالمئة، بينما أشارت أصداء من مديرية حملته الانتخابية إلى الأصوات التي حققها تفوق ذلك بكثير.
وبعد الطعن في النتائج، أعلنت المحكمة الدستورية عن أرقام نهائية أخرى مغايرة تماما، حصل بموجبها المرشح عبد المجيد تبون على نحو 8 ملايين من الأصوات، على عكس النتائج الأولية التي أعطته فقط 5.3 مليون صوت، فيما تحصل المرشح عن حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني الشريف، على 904 آلاف صوت بنسبة 9.56 بالمئة، في حين حاز المرشح عن جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، على 580 ألف صوت بنسبة 6.14 بالمئة.
وعقب ذلك، شن الإعلام المقرب من السلطة هجوما لاذعا على شرفي متهما إياه بالتلاعب بمصداقية الانتخابات، بينما طالبت أحزاب سياسية بتنحيته ومحاسبته. وقالت حركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي في هذا الصدد إن “ما حدث في الانتخابات الرئاسية من تجاوزات وعبث، يعتبر بنص القانون جريمة انتخابية تقتضي حل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتحميل المسؤولية للمتسببين فيها، ومتابعة أولئك الذين أجرموا في حق الوطن، والقانون، والمترشحين”. وأبرزت أن “العطب الذي أصاب صورة مؤسسات البلاد ليعبر على الحاجة الماسة لمراجعة المنظومة القانونية والمؤسسية للانتخابات، بمقاربة تعيد الاعتبار للفعل الانتخابي بعيدا عن الإجرام الممنهج في اللعب بإرادة الناخبين، وتدليس النتائج”.
وعلى مستوى المقاطعين، استقبلت النتائج الجديدة التي أعلنت عنها المحكمة الدستورية بالتشكيك، حيث أوضح حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في بيان له، أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 10%.
ورغم الجدل الكبير الذي صاحب النتائج، التزم شرفي صمتا مطبقا رفض بموجبه الرد على الاتهامات التي كانت تطاله، في سلوك كان يشير إلى قرب انتهاء مهامه.