بعيدًا عن ضجيج التأويلات ودوامة السيناريوهات المقلقة، يأتي مشروع قانون "التعبئة العامة" الذي صادق عليه مجلس الوزراء الجزائري، كتذكير صريح بأن الدولة تتحرك وفق إيقاع حساس بين التحدي والاستعداد. لا يمكن قراءة هذا المشروع، الذي انطلق مساره التشريعي دون إعلان رسمي لحالة استثنائية، على أنه مجرد نص قانوني عابر. بل هو رسالة مزدوجة، موجهة إلى الداخل والخارج.
في الداخل، يؤكد القانون على ضرورة ترسيخ ثقافة الجاهزية. جاهزية لا تعني فقط استدعاء الاحتياط أو تسخير الموارد، بل تعني أن المجتمع بكل أطيافه هو شريك في صيانة السيادة. في الخارج، هي إشارة واضحة إلى أن الجزائر تتابع ما يجري في محيطها، وتتهيأ – بهدوء وبقوة قانون – لكل سيناريو محتمل.
لكن هذا لا يعني أننا أمام إعلان خفي لحرب أو أزمة قريبة، كما ذهب البعض. التعبئة العامة ليست مرادفًا للتجنيد، بل هي أداة سيادية تُستخدم وفق الدستور لمواجهة طيف واسع من التهديدات: من الكوارث الطبيعية إلى التحديات الصحية، ومن التوترات الإقليمية إلى حرب المعلومة.
وفي هذا السياق، لا يمكن فصل القانون عن كلمة رئيس الأركان، ولا عن ظهور مدير المخابرات الخارجية في ملتقى حول الأخبار الزائفة. فالمعركة، كما يبدو، لم تعد تقليدية. هناك إدراك عميق بأن الحروب القادمة قد تُخاض في الفضاء الرقمي، وأن تهديد الاستقرار قد يأتي من خبر كاذب أكثر مما يأتي من رصاصة.
ورغم وجاهة الاستعداد، يجب التنبه إلى أهمية التوازن. الجاهزية لا تقتصر على الأمن وحده، بل تبدأ من تنمية الجنوب، ومن توسيع الأفق الاقتصادي، ومن بناء تحصين ثقافي داخلي، كما نبه لذلك بعض المتابعين. فتأمين الدولة لا يتم فقط عبر البندقية، بل أيضًا عبر المدرسة والمستشفى وسكة الحديد.
مشروع "التعبئة العامة" إذن، هو اختبار مزدوج: اختبار للدولة في قدرتها على الاستشراف دون إثارة الهلع، واختبار للمجتمع في قدرته على الوعي، وعدم السقوط في فخ التهويل أو التسييس. وبين هذا وذاك، يبقى الأهم: أن تظل الجزائر مستعدة، ولكن على طريقتها، ووفق أولوياتها.