عاشوراء بين الفرح والانفجار.. عندما تتحول الطقوس إلى خطر عمومي

عاشوراء بين الفرح والانفجار.. عندما تتحول الطقوس إلى خطر عمومي
الأحد 06 يوليو 2025 - 13:34

لم تعد ليلة عاشوراء في عدد من المدن المغربية، وعلى رأسها مدينة سلا، مجرد طقس شعبي ينضح بالفرح والحنين إلى ذاكرة جماعية مترسخة، بل تحولت في السنوات الأخيرة إلى ساحة فوضى وانفلات، تصل أحياناً حد العبث بالأمن العام، كما حصل ليلة السبت بحي سيدي موسى، حين تحوّل الاحتفال إلى مواجهة مفتوحة بين مراهقين والقوات العمومية.

ليس جديداً أن تتصدر مدينة سلا عناوين هذه المشاهد. لكن الجديد – والمثير للقلق – هو مستوى التصعيد الذي بلغته هذه الممارسات: قنينات غاز تُفجَّر في الأزقة، مفرقعات أشبه بقنابل يدوية، وشبان ملثمون يشتبكون مع رجال الأمن في مشاهد تبدو أقرب لحالة شغب منها إلى احتفال تقليدي.

الصور والفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لم تترك مجالاً للتهوين، بل عكست مستوى خطيرًا من الانزلاق السلوكي، خاصة حين تصبح أرواح المواطنين مهددة داخل أحيائهم السكنية، لا بسبب كارثة طبيعية أو هجوم إرهابي، بل تحت غطاء ما يُفترض أنه مناسبة دينية شعبية.

السؤال الذي يُطرح بإلحاح: من المسؤول عن هذه التحولات؟

هل نُحمّل القاصرين وحدهم وزر ما يحدث؟ أم أن المسؤولية موزعة بين الأسرة التي استقالت من دورها، والمدرسة التي أصبحت خارج السياق، والمجتمع المدني الغائب، وأيضاً السلطات التي تكتفي غالباً بمنطق “الردع بعد الفعل” بدل الوقاية قبل الانفجار؟

لا شك أن المقاربة الأمنية مطلوبة، لكن وحدها لا تكفي. فكل سنة، تتكرر المشاهد ذاتها، كأن الزمن توقف. اعتقالات، مطاردات، بلاغات رسمية، ونداءات شعبية للتشديد، لكن دون أثر ملموس على المدى المتوسط.

الحل لا يكمن فقط في مطاردة مراهق ملثم يرشق الأمن بالحجارة، بل في كسر هذا التراكم الصامت من اليأس، والتفكك، والتهميش الذي يغذي مشاهد العنف واللا معنى.

عاشوراء ليست مشكلة في ذاتها. المشكلة في ما أصبح يُلبسها البعض من رمزية مقلوبة. ففي حين كانت "الطعريجة" و"الشعالة" تعبيراً بريئاً عن بهجة الطفولة، صارت اليوم أداة للتفجير والتهديد والاشتباك مع مؤسسات الدولة.

آن الأوان لإعادة النظر، لا في الطقوس فقط، بل في البيئة التي تسمح بانتشار هذا العنف باسم الفرح. نحتاج إلى مقاربة شاملة، تدمج التربية، والتحسيس، والعدالة الاجتماعية، وتمنح شباب الأحياء المهمشة شيئاً من الأمل، حتى لا تكون عاشوراء القادمة مناسبة جديدة للعدّ العكسي نحو الانفجار.

فالمجتمع الذي يسمح بتحوّل احتفالاته إلى كوابيس، يحتاج إلى وقفة مع نفسه، قبل أن يطالب الآخرين بإخماد النيران.

الأكثر قراءة