الهوامش المنسية في طوري باتشيكو

الهوامش المنسية في طوري باتشيكو
الثلاثاء 15 يوليو 2025 - 16:06

في زاوية منسية من جنوب شرق إسبانيا، حيث يلتقي عرق الأرض بعرق العمال، تفجرت مؤخرًا أحداث طوري باتشيكو، المدينة الزراعية التي صارت مسرحًا لصراعات لم تعد خفية. خلف بريق الطماطم والفلفل والشمام، تنكشف قصة أخرى: قصة الهجرة، التهميش، وسوء المعاملة، وكل ذلك في صمت يغلفه البلاستيك الأبيض لبيوت الضيعات الزراعية.

ما حدث ليس وليد لحظة. التوتر في طوري باتشيكو لم ينفجر عبثًا. لسنوات، ظل آلاف العمال الموسميين – معظمهم مغاربة، جزائريون، أفارقة جنوب الصحراء – يعملون في ظروف أشبه بالعبودية الحديثة. ساعات طويلة تحت شمس ملتهبة، أجور زهيدة، وسكن غير آدمي في مستودعات تحوّلت لمراقد جماعية. لكن الصمت لم يعد ممكنًا.

اندلعت شرارة الاحتجاج عقب حادثة مروعة، حين لقي عامل مغربي حتفه في ظروف غامضة داخل إحدى الضيعات. روايات زملائه تشير إلى الإهمال الطبي والتأخير في نقله للمستشفى. لم تكن الحادثة الأولى، لكنها كانت القشة. خرج العشرات للاحتجاج، فكانت الصدمة: عنف أمني، اعتقالات، واتهامات بالجملة. في بلد يُفترض أنه يدافع عن حقوق الإنسان، بدا المشهد أقرب لدكتاتورية زراعية.

السلطات المحلية حاولت التقليل من شأن الحادث، متذرعة بـ"التحقيقات الجارية"، بينما سارعت بعض وسائل الإعلام إلى شيطنة العمال، ووصمهم بـ"مثيري الشغب". لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. ما يجري في طوري باتشيكو هو انعكاس لفشل مزدوج: فشل السياسات الإسبانية في إدماج العمال المهاجرين، وفشل بلدانهم الأصلية في حمايتهم والدفاع عن حقوقهم في الخارج.

أين هي النقابات؟ أين هي الجمعيات الحقوقية؟ بل أين هي القنصليات المغربية والجزائرية من كل هذا؟ صمت رسمي لا يقل إدانة عن الانتهاك ذاته. وكأن دم العامل المهاجر أرخص من التربة التي يحرثها.

ما حدث في طوري باتشيكو ليس مجرد "حادث عابر"، بل ناقوس خطر يذكّرنا أن كلفة الطماطم الرخيصة قد تُدفع أحيانًا من حياة إنسان. وهنا، لا بد للصحافة أن تكسر الصمت، وأن تُعيد رسم خريطة الأولويات: فليس كل ما يُزرع يُؤكل، أحيانًا يُزرع القهر... ويحصد الغضب.

الأكثر قراءة