التحرش بالسائحات: حين تُختزل المرأة في جسد ويُختزل الوطن في صورة هشّة

التحرش بالسائحات: حين تُختزل المرأة في جسد ويُختزل الوطن في صورة هشّة
الجمعة 25 يوليو 2025 - 18:46

بين زُرقة الأطلسي ودفء المتوسط، وبين عبق التاريخ في المدن العتيقة وصخب الأسواق الشعبية، يرسم المغرب صورة جذابة في أذهان الزوار. صورة عنوانها الضيافة والتنوع، ونقشتها عقود من الترويج السياحي والعمل الدبلوماسي. لكن خلف هذا البريق، ثمة مشهد مُقلق يتسلل إلى هذه الصورة من الشقوق الصغيرة، ويهدد بتقويضها: ظاهرة التحرش الجنسي بالسائحات.

ما وقع في الصويرة مؤخراً ليس حادثاً معزولاً، بل حلقة ضمن سلسلة حوادث مماثلة في طنجة وشفشاون ومراكش، تسرّبت إلى العالم عبر عدسة هاتف ذكي، وأثارت زوبعة تتجاوز حدود البلد. في زمن الصورة، لم يعد السائح ينقل انطباعاته لعائلته فقط، بل ينشرها للعالم كله. وهنا يكفي مقطع فيديو واحد لنسف ما تبنيه الحملات الرسمية لسنوات.

الإشكال ليس في سوء تصرف فردي بقدر ما هو في تداعياته الرمزية. فالسائحة لا تفرّق بين الشاب الذي ضايقها والدولة التي استقبلتها، ولا تُجري تحليلاً قانونياً أو اجتماعياً، بل تحكم من خلال التجربة. والتجربة السلبية لا تحتاج أكثر من لحظة واحدة.

صحيح أن المغرب اتخذ خطوات قانونية منذ إقرار القانون 103.13، لكن الواقع يقول إن القانون وحده لا يكفي. فبين ضعف التبليغ، وصعوبة الإثبات، وتطبيع اجتماعي يعتبر التحرش "مُزحة ثقيلة"، يظل التطبيق العملي بعيداً عن النص المكتوب.

ثمّة مفارقة تستحق التأمل: كلما اقترب المغرب من تنظيم تظاهرات دولية كبرى، كلما ازدادت الحاجة إلى مساءلة الذات. فالملاعب ليست وحدها من يُعد، بل أيضا الفضاء العام، والأهم: وعي المجتمع.

المجتمع المدني لا يظل صامتاً. مبادرات مثل “ما ساكتاش” وحملة “الصفارة” نبضت بالأمل في فضاءات كانت صامتة، لكنها تظل جهوداً رمزية ما لم تواكبها سياسات عمومية، وإصلاحات تربوية، وخطاب ديني ومجتمعي يعيد الاعتبار لقيمة "الاحترام".

ما أقدمت عليه المملكة بإطلاق أول نظام وطني لمحاربة التحرش في المنطقة، برعاية أميرية، يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنه يُقر بأن حماية النساء لم تعد مسألة حقوقية فحسب، بل قضية تمس سيادة الدولة وصورتها أمام العالم.

في النهاية، المسألة ليست مجرد مطاردة متحرش هنا أو هناك. إنها معركة أعمق، تخاض في المدرسة حين يُعلَّم الطفل أن المرأة ليست جسداً. وتُخاض في البيت حين يُربَّى الشاب على المسؤولية. وتُخاض في الإعلام حين يُكفّ عن تبرير السلوك باسم "الطبيعة البشرية".

نحتاج إلى ما هو أكثر من الردع. نحتاج إلى وعي جديد، يؤمن بأن كرامة الزائرة جزء من كرامة المضيف، وأن التحرش، في عمقه، ليس سلوكاً منحرفاً فحسب، بل اختلال في منظومة القيم التي تحمي وجه الوطن.

 

الأكثر قراءة