الرباط: يشهد التعاون القضائي بين فرنسا والمغرب دفعة قوية منذ انتهاء الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، وهو ما تجلّى في اعتقال مواطنين فرنسيين يُشتبه في ارتباطهما بتاجر المخدرات محمد عمرا، وذلك في عملية نفذتها السلطات المغربية بسرعة قياسية. فقد تم توقيف الشخصين، آلان ج وألبينو د، يوم 23 فبراير في مراكش، بعد يوم واحد فقط من إلقاء القبض على محمد عمرا في بوخارست، بعد تسعة أشهر من فراره إثر عملية هروب مثيرة أدت إلى مقتل عنصرين من أمن السجن الذي كان محتجزًا فيه، مما جعله المطلوب الأول في فرنسا.
الموقوفان، اللذان ينحدران من منطقة نورماندي الفرنسية مثل عمرا، يواجهان ما يقارب 15 تهمة، من بينها القتل ومحاولة القتل والفرار ضمن عصابة منظمة. وكانا موضوع مذكرة حمراء صادرة عن الإنتربول وأوامر اعتقال دولية أصدرتها السلطات الفرنسية. ووفقًا لمصادر قضائية، فقد تم احتجازهما في المغرب بانتظار استكمال إجراءات تسليمهما إلى فرنسا.
ويعكس هذا الاعتقال تزايد وتيرة التعاون القضائي بين البلدين، حيث ارتفع عدد طلبات الإنابة القضائية الدولية المنفذة في المغرب بناءً على طلب السلطات الفرنسية من 80 في عام 2023 إلى نحو 100 في 2024، معظمها في قضايا تتعلق بغسل الأموال والاتجار بالمخدرات. كما تجري مناقشات حول إمكانية إنشاء فريق تحقيق مشترك فرنسي-مغربي لتعزيز التنسيق في القضايا ذات الطابع الإجرامي العابر للحدود.
وفي سياق متصل، شهدت الأشهر الأخيرة اعتقالات أخرى لمواطنين فرنسيين متورطين في أنشطة إجرامية داخل الأراضي المغربية. فقد تم توقيف فرنسي جزائري في الدار البيضاء يوم 21 فبراير، وفرنسي غيني قبل أربعة أشهر في نفس المدينة عند نزوله من الطائرة. كما لا تزال قضية فيليكس بينغي، الذي أوقف يوم 8 مارس 2024 في الدار البيضاء، تحظى باهتمام خاص، حيث وصفه وزير الداخلية الفرنسي آنذاك بأنه أحد أكبر تجار المخدرات في فرنسا. وقد تم تسليمه إلى السلطات الفرنسية يوم 22 يناير 2025.
وعلى الرغم من التوترات الدبلوماسية التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال الفترة من 2021 إلى 2023، فإن التعاون القضائي لم ينقطع، خاصة في قضايا الجرائم الكبرى، بما في ذلك إعادة قبول القاصرين المغاربة غير النظاميين في فرنسا، وهو موضوع حساس مرتبط بقضية التأشيرات.
وفي مراكش، تم اعتقال محمد أمين يحياوي، المعروف باسم "كولوش"، وهو تاجر مخدرات فرنسي جزائري، في فبراير 2024، حيث ينتظر تسليمه إلى فرنسا. كما جرى توقيف رضا أباكريم، تاجر مخدرات فرنسي مغربي، في قضية تتعلق بجريمة قتل، لكن بالنظر إلى سياسة المغرب التي تمنع تسليم مواطنيها، فإن ترحيله إلى فرنسا مستبعد، رغم صدور حكم غيابي ضده بالسجن 21 عامًا من محكمة الجنايات في فرساي عام 2020.
وفي إطار التنسيق الأمني بين البلدين، يتم تنفيذ عمليات مراقبة مشددة لعمليات تسليم المخدرات، من خلال تعاون ثلاثي يشمل فرنسا والمغرب وإسبانيا. ومن بين الأمثلة على ذلك، تتبع شحنة من راتنج القنب انطلقت مؤخرًا من ميناء الدار البيضاء باتجاه أوروبا، حيث مكّنت أنظمة المراقبة من تحديد كل أطراف الشبكة، من الموردين إلى الناقلين والمنظمين والممولين.
ورغم هذا التعاون الوثيق، لا تخلو العلاقة من بعض التحديات وسوء الفهم، كما حدث في حالة سفيان هامبلي، أحد كبار تجار المخدرات، الذي كانت السلطات المغربية قد حذّرت نظيرتها الفرنسية من نشاطه قبل سنوات من ضبط سبعة أطنان من القنب الهندي في باريس عام 2015. غير أن الشرطة الفرنسية اعتبرت حينها أن هامبلي "مخبر"، ما سمح له بتوسيع نشاطه الإجرامي، قبل أن يتم اعتقاله في طنجة في أكتوبر 2021، حيث يقضي حاليًا عقوبة بالسجن 24 عامًا في المغرب بتهم تتعلق بالاتجار الدولي بالمخدرات والاختطاف والتعذيب.